الدروز طائفة دينية، تجمع بين عناصر من الإسلام والفلسفات القديمة، ولها تاريخ طويل ومعقد في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن عددهم قليل مقارنة بغيرهم من الطوائف الدينية في العالم العربي، فإن تأثيرهم السياسي والاجتماعي والثقافي كان دائمًا أكبر من حجمهم العددي. في هذه المقالة، نقدم نظرة معمقة على العقيدة الدرزية، تاريخها، أماكن تواجدها، وبعض الحقائق المميزة عن هذه الطائفة الغامضة.
من هم الدروز؟
الدروز هم جماعة دينية توحيدية تأسست في بدايات القرن الحادي عشر الميلادي في عهد الدولة الفاطمية، وتُعدّ من الطوائف المنبثقة عن الإسلام، لكنها تطورت لتصبح مذهبًا مستقلًا بذاته. ويطلق على أتباعها اسم "الموحدين الدروز" أو "أهل التوحيد".
يُعتقد أن العقيدة الدرزية ظهرت رسميًا عام 1017م في عهد الخليفة الفاطمي السادس الحاكم بأمر الله. وقد تم تأسيس المذهب على يد عدد من المفكرين أبرزهم: حمزة بن علي، ومحمد بن إسماعيل الدرزي، وتشتت أتباعها لاحقًا نتيجة الاضطهاد السياسي والديني، فانتقلوا إلى مناطق جبلية منعزلة لحماية أنفسهم ومعتقداتهم.
العقيدة الدرزية: مبادئها وأسرارها
التوحيد أساس العقيدة
يركز الدروز على مبدأ التوحيد الخالص لله، ومن هنا جاء اسمهم الآخر "الموحدون". وهم يرفضون الشرك والتجسيم، ويعتبرون الله متعاليًا عن الصفات المادية.
سرية المذهب
من أبرز سمات العقيدة الدرزية أنها سرية، حيث لا يُباح لأتباعها من غير "العارفين" (الجزء المتعلم والملتزم من الطائفة) الاطلاع على كل تفاصيل الدين. وهذه السرية تهدف إلى حماية المذهب من التحريف أو الإساءة، خاصة بعد الاضطهادات التاريخية التي تعرض لها الدروز.
كتبهم المقدسة
الكتاب الأساسي عند الدروز هو "رسائل الحكمة"، ويُعد بمثابة النص الديني الرئيسي الذي يحوي المبادئ الفلسفية والروحية للطائفة. ويُقال إنه يتضمن رسائل كتبها مؤسسو المذهب، وأهمهم حمزة بن علي.
التقمص والروح
من المعتقدات الأساسية عند الدروز إيمانهم بالتقمص، أي انتقال الروح من جسد إلى آخر بعد الموت. يعتقدون أن الأرواح لا تفنى، بل تنتقل إلى موحدين آخرين، وهذا جزء من نظام روحي يهدف إلى التطهير والتكامل الروحي.
الفروقات بين الدروز والمسلمين
رغم أن الدروز نشأوا ضمن السياق الإسلامي، إلا أنهم لا يُعدّون أنفسهم مسلمين بالمفهوم السائد، ولا يطبقون أركان الإسلام الخمسة كما يفعل المسلمون. على سبيل المثال:
- الصلاة عندهم ليست كما هي عند السنة أو الشيعة.
- الصيام لا يُمارس بنفس الطريقة، ولا يُعتبر شهر رمضان فريضة عليهم.
- الحج إلى مكة ليس جزءًا من شعائرهم.
- الزكاة تُفهم بمعنى روحي وأخلاقي وليس بالضرورة مادي.
كما أن الدروز لا يبيحون الزواج من غير الطائفة، ولا يقبلون بالتحول إلى أو من ديانتهم، وهو ما يجعلهم طائفة منغلقة نسبيًا على نفسها.
طبقات المجتمع الدرزي
ينقسم المجتمع الدرزي إلى قسمين:
- الجهّال (العامة): وهم الغالبية، لا يطلعون على الأسرار الدينية ولا يُسمح لهم بقراءة الكتب المقدسة.
- العارفون (العقلاء): وهم من يكرسون حياتهم للتدين والدراسة الروحية، ويُتاح لهم الاطلاع على النصوص الدينية وممارسة الطقوس السرية.
انتشار الدروز حول العالم
لبنان
لبنان هو المركز الأكبر للدروز في العالم، حيث يشكلون حوالي 5% من السكان. يتمركزون أساسًا في جبل لبنان، خاصة في مناطق الشوف وعاليه وراشيا. وقد لعب الدروز دورًا كبيرًا في الحياة السياسية اللبنانية، ومن أبرز زعمائهم كمال جنبلاط ووليد جنبلاط.
سوريا
تأتي سوريا في المرتبة الثانية من حيث عدد الدروز، ويتركزون أساسًا في محافظة السويداء وجبل العرب. خلال الثورة السورية، اتخذ معظم الدروز موقف الحياد، بينما شارك البعض في الدفاع عن مناطقهم من التهديدات الإرهابية.
فلسطين المحتلة
يعيش ما يقرب من 140 ألف درزي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في الجليل والكرمل. وتُعد هذه الفئة من الدروز فريدة من نوعها لأنها خدمت في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1956، مما أثار جدلًا كبيرًا حول الهوية والانتماء.
دول المهجر
هناك مجتمعات درزية صغيرة في دول المهجر مثل كندا، الولايات المتحدة، فنزويلا، وأستراليا. وقد أنشأوا مؤسسات دينية وثقافية للحفاظ على تراثهم.
أبرز الشخصيات الدرزية عبر التاريخ
- الأمير فخر الدين المعني الثاني: زعيم درزي من لبنان، يُعتبر مؤسس لبنان الحديث، وساهم في إنشاء علاقات دبلوماسية مع أوروبا.
- كمال جنبلاط: سياسي ومفكر لبناني، مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي، واغتيل في ظروف غامضة عام 1977.
- سلطان الأطرش: قائد الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي، ويُعد رمزًا من رموز النضال الوطني في سوريا.
العادات والتقاليد الدرزية
- الزي التقليدي: يشتهر الدروز بلباس مميز خاصة في القرى الجبلية، حيث يرتدي الرجال السروال الفضفاض والطاقية البيضاء أو السوداء حسب المرتبة الدينية، بينما ترتدي النساء غطاء رأس يسمى "العِصابة".
- الزواج: لا يُسمح بالزواج من خارج الطائفة، ويُعتبر الطلاق غير مرحّب به، إلا في حالات نادرة.
- الأعياد: لا يحتفل الدروز بالأعياد الإسلامية كعيد الفطر أو الأضحى، لكن لديهم مناسبات دينية خاصة مثل ذكرى الدعوة التوحيدية.
مواقف سياسية ومجتمعية
الدروز عُرفوا بالحكمة السياسية والقدرة على التكيف مع التغيرات. ففي لبنان، يُعتبرون حجر أساس في التوازن السياسي الطائفي. وفي سوريا، شكلوا عنصر استقرار نسبي. أما في فلسطين، فمشاركتهم في الجيش الإسرائيلي كانت وما تزال مثار جدل، حيث يرفض العديد منهم هذا التوجه ويؤكدون على هويتهم العربية.
الدروز في الإعلام والسينما
رغم السرية المحيطة بالطائفة، ظهرت بعض المحاولات لعرض حياتهم في الإعلام، لكنها غالبًا ما تثير غضب المجتمع الدرزي الذي يرفض الكشف عن معتقداته الخاصة للعامة. الدروز يفضلون الابتعاد عن الأضواء في ما يتعلق بدينهم، لكنهم نشطون في المجالات الفنية، الأكاديمية، والسياسية.
حقائق منوعة عن الدروز
- الدروز لا يملكون مساجد، بل أماكن عبادة تُعرف بـ"الخلوات".
- المرأة الدرزية تلعب دورًا هامًا في المجتمع، وتُشجع على التعليم والعمل، مع الحفاظ على الالتزام الديني.
- المذهب لا يقبل التحول إليه أو الخروج منه.
- التربية الأخلاقية من أهم ركائز العقيدة، ويُشجع الدروز على الصدق، الأمانة، الوفاء، وحب الوطن.
- الاسم "دروز" جاء من أحد الدعاة الأوائل، محمد بن إسماعيل الدرزي، لكنه طُرد لاحقًا من الحركة لاعتباره منحرفًا عن المسار العقائدي.
خاتمة
الدروز طائفة لها تاريخ عريق ومعتقدات غامضة، ومجتمع منغلق نسبيًا يحافظ على تراثه رغم التغيرات المحيطة به. وقد استطاعوا عبر القرون أن يحافظوا على هويتهم الدينية والثقافية، ورغم قلتهم العددية، فإن تأثيرهم في السياسة والمجتمع لا يمكن إنكاره.